الثلاثاء، يوليو 29، 2014

من مذكرات زوجة حديثة فشخ -10-



وأخيرًا... البحر

بقالي كتير أوي عايزة أروح اسكندرية، ماروحش وخلاص.. لأ.. أقعد في بلكونة ع البحر ساعات طويلة وأبص ع الوسع اللانهائي بيهزم الضيقة اللي جوايا.. بيهزم كل المشاهد الزحمة\الملوثة\الكتمة.. مش عايزة أختلط بزحمة الشارع وجنان البشر والعربيات، عندي من دة كتير طول الوقت والله.. أنا عايزة البحر فقط لا غير

أخيرًا رحت مع بابا وقعدت في بلكونة بيتنا عشان أعمل عملية ترميم نفسي لنفسي بنفسي.. بابا اللي بيضحك أوي على إنه لما جه العمارة البواب معرفهوش عشان حلق شنبه وشعره، ولما قاله أنا ساكن في الخامس.. قاله: عند الراجل العجوز اللي فوق؟!

ضحك أوي.. ضحك بس بيتهيألي إنه من جواه زعلان إنه بقى الراجل العجوز اللي فوق.. بس بابا يختلف عننا في إنه بيصدق اللي حاصل ويبني عليه أحسن مايعيط عليه، بيصدق ويشوف ببساطة ورانا ايه دلوقتي وخلاص.. احنا بقى بنحب نعيط، ونحس بالظلم إن بعد كل دة فيه كمان حاجات ورانا! ونستهلك في الحدوتة دي تلات ارباع أعمارنا اللي مش هتتعوض.. لحد مانبقى الراجل العجوز\الست العجوزة اللي فوق

عمومًا.. قضيت أخيرًا ساعة الفجر ببص ع البراح م البلكونة واشوف كل حاجة بتكلمني لوحدي بشكل صريح، وتراك مزيكا بيتكرر في وداني.. أيوة أنا أستحق شوية سكينة من دول، أستحقهم عن جدارة..

حاجات بسيطة أوي بتنجح في الآخر إنها تسببلك السعادة، حاجات زي إنك ماتخشش تنام عشان لازم تخش تنام دلوقتي فتفضل في السرير بالساعات متورط في فكرة "اللازم" المقرفة دي ولا عارف تصحى ولا عارف تنام.. فتحس إنك طول الوقت في أبسط تفاصيل حياتك شخص "مغصوب"..

 حاجات زي إن الأجازة ماتبقاش ملفوفة بأحاسيس الذنب عشان وراك بلاوي، حاجات زي إنك تحقق أهم وأصعب حلم ممكن يحلمه أي حد.. حتى لو هتحققه لمدة ساعات: إنك تعيش زي منتا عايز.. مش زي ما المفروض تعيش..


أنا قلوقة جدا، ودماغي بتعرف تبقى جنراتور لأفكار السخط والغضب وتنسج مليون حدوتة محتملة من شوية حاجات حصلت ولا اتقالت ولا كانت هتتقال.. لسة كنت شايفة جملة بتقول إن القلق مابيمنعش اللي هيحصل، بس بيسرق المتعة والسلام النفسي من الحاضر تمامًا..

كنت واعدة نفسي إني اليومين دول مش هفكر فيهم في أي حاجة، هحيّد القلق تمامًا.. هحاول يعني، والله هحاول.. ومتهيألي المحاولة هنا هتكون أسهل من المحاولة في زحمة وحر المواصلات في شارع بورسعيد بالسيدة زينب!

حاجة أخيرة: كنت بفكر في فكرة المنغصات، يعني.. عمر مافي حاجة هتبقى خالية م الهم، كمثال بسيط.. أي مكان فيه فيو حلو غالبا هيكون على شارع رئيسي.. وعشان احنا في مصر، فالبلكونة الحلوة اللي ع الكورنيش دي مثلا فيها كمية دوشة هايلة.. طول منتا قاعد بتسمع سواقين موتوسيكلات مشغلين مهرجانات بصوت عالي جدا مشوش جدا ملوث جدا.. بس لوهلة بتفكر إن الراجل اللي سايق دة عايش عيشة بنت كلب أوي، أغلبها غصبانية وقهر..ودي فرصته الوحيدة إنه يتفرد ويحس ويحسس الناس إنه منطلق وحر.. طبعا دة مش من حقه، بس لسبب ما ممكن تسامحه، وجودك في مكان زي دة بيخلي مسامحته أسهل..

يلا، هيروحوا كلهم من ربنا فين :)

عيد سعيد...


الخميس، يوليو 03، 2014

من مذكرات زوجة حديثة فشخ -9-

مش عارفة أرجع تاني :\

كل مرة بتعدي عليا فترة عيا صعبة ومستشفيات وكانيولات وإيدين مخضرة ثم مزرقة و...و...، كل مرة دة بيحصل بفصل تمامًا عن العالم الخارجي ومبعرفش أرجع بسهولة.. ببقى في حالة شبيهة لأول يوم حضانة\مدرسة\درس فيه الولد الحليوة بتاع تانية تالت.. مش قادرة أخطي العتبة تاتة واحدة واحدة وأدخل أندمج مع اللي بيحصل جوة واتشاف كدة ويبقى ليا وجود... أنا مش عايزة يبقى ليا وجود، عايزة أفضل مستنية برة، وابقى غير مرئية تماما

ببقى بس عايزة أنام، أنام كتير أوي وأصحى من النوم أنام تاني.. مش عايزة أواجه الواقع بجسمي اللي بينهج لو وقفت أربعين ثانية متواصلة وروحي المسحوبة بفعل الحر والكتمة، ودماغي اللي مش عارفة تبطل تسأل: امتى الحياة هتكون سهلة شوية؟

كانت أول مصالحة ليا على العالم الخارجي هيا "بندورة".. بندورة هيا دبدوبة بنت ضخمة فروتها مكونة من دواير لا نهائية بتخش في بعضها وتعمل دهاليز ناعمة.. لابسة فستان وعندها فيونكة روز.. وانا مقتنعة أصلا إنها فارة..

بندورة كانت ماسكة في إيديها بالونة هيليوم بتقول"
get well soon
" ومستنياني على باب الشقة.. حجازي كان ماسكها والبالونة مغطية وشه ومستنيني أفتح الباب.. وأنا أول ماشفتهم كلهم سوا قعدت أعيط.. كنت سعيدة فعلا.. دي أول لحظة سعادة حقيقية تعدي عليا من كتير.. حسيت أخيرا إن فيه حاجات تانية مستنياني في الحياة غير المشاكل والتعب والتعليمات وحقن الوريد.. فيه حاجات ممكن تحصل بسيطة وحلوة ومبهجة، كل يوم وانا ببص لبندورة هو دة اللي بفكر فيه.. فيه حاجات هتحصل أكيد حلوة، مهما قرصت الدنيا علينا وطبقت على نفسنا..

في المستشفى جت عيلة صغننة فيها بنت وأب وأم بس معايا في الأوضة لمدة نص يوم.. البنت غنت لمامتها قبل ماتخش العمليات.. والراجل كان قلقان ومابيتكلمش لكن أول ماخدوا الأم واتأخرت في العملية كان الحب بيدلدق من كل كلامه عنها وكان بيكلم طوب الأرض عشان يطمنوه... لما رجعت م العملية اتكلم معاها عادي وقالها بس "قلقونا عليكي".. كنت عاوزة اقوم أقوله ليه خبيت الحب المدلدق دلوقتي؟ أرجوك قولها "أنا ماكنتش عارف لو كان جرالك حاجة كنت هعمل ايه.."

في المستشفى برغم كل الإجهاد وغباوة الممرضات إلا إني كنت بستمتع بإحساس الاستسلام.. بإحساس إن مش مطلوب مني حاجة تاني خلاص اتصرفوا انتوا، أنا بس عايزة أنام.. دايما الممرضات بيعلقوا إني بنام كتير.. مببقاش عارفة أشرح إن دة مش نوم العيا بس، دة نوم الإنهاك بتاع كل حاجة.. التعب بتاع الدنيا كله، أنا جاية أستسلمله تمامًا.. وأنام

وبعد دة مابيحصل، بخرج تايهة شوية ومش مدركة تمامًا أبجدية التعامل مع العالم اللي كنت بستخدمها قبل كدة.. عاوزة أفضل ساكتة، وأبتسم كل ماحد يقولي أي حاجة وبس.. مش عايزة أتكلم خالص.. بحاول بس أقوم من السرير على قد ماقدر واعمل حاجات بسيطة أوي، وعبيطة أوي.. وكافية أوي إني أكون منهكة عشان انام 13 ساعة متواصلة جديدة.. واصحى تقيلة ومش مركزة.. ومفيش في دماغي غير بس إني هقوم أسقي الزرع.. واشرب عصير أناناس

أكيد الفترة هتعدي، أنا عارفة.. بعد كل دور عيا شبيه فيه حتة صغيرة مني بتدبل تمامًا وبتبقى لازم تدفن عشان حتة غيرها تتزرع، بفضل محتاسة بيها شوية بس مش عارفة أدفنها فين.. بعد شوية بتفاجئ بيها زي ماتكون اتصرفت، اتدفنت لوحدها بعيد عن الشوشرة..

وأنا رجعت للتنطيط واللخبطة والرغي اللي مابينتهيش :)