الخميس، نوفمبر 24، 2011

المحفوظات..






أعتقد بأن صاحب الفرن قد حفظني..

في كل يوم فيما بين التاسعة و النصف، و العاشرة و النصف أشتري باتيه سوسيز بـ 3 جنيه من أجل الإفطار.. ثم أعبر الشارع إلى صاحب السوبر ماركت الطيب الذي يساعدني في التخلص من الأوراق النقدية المهترئة التي أخشى عدم التمكن من صرفها أبداً.. فأشتري عصير أو زجاجة مياه أو كرت شحن بـ 10، فيصرفها لي بابتسامة، أظنه حفظني أيضاً

ثم أن معظم سائقي ميكروباصات التحرير قد حفظوا شكلي تقريباً، الفتاة التي تضع السماعات دائماً و أبداً و ترتدي ملابس تحوي ورداً في أي قطعة منها و تجلس إلى جانب أي شباك لتقوم بتناول وليمة إفطارها بنهم، ثم تحدث جلبة ملحوظة بكرمشات الأكياس و فتافيت الخبز...

أما عن بائع جرائد موقف عبد المنعم رياض فلقد حفظني بالتأكيد و تأكّد تماماً أنني لن أشتري منه الجرائد ما حييت.. غير أني أقف كل صباح أمامه أتصفح كل العناوين بتوتر واضح قبل أن أغادر حيث ميكروباصات المهندسين، حيث التبّاع صاحب الذراع الواحدة الذي أرغب في تصوير ابتسامته إذا ما امتلكت كاميرا جيدة قريباً، التباع الذي حفظني أيضاً لدرجة أنه استوقفني في أحد الأيام قبل أن أرتكب غلطة فادحة قائلاً بابتسامة شاسعة: " بتعملي ايه عند ميكروباصات امبابة؟" فأنقذني من ساعة أو أكثر من التوهة و التأخير عن الشغل..

ثم أن أمن عمارة الشغل حفظني تماماً و أصبح يناديني" باشمهندسة" أخيراً بعد سنة كاملة من التعيين.. و يعلم أنني دائماً مستعجلة و متأخرة و ألقي سلامي الصباحي دون أن أنتظر الجواب لأنني لن أسمعه بسبب السماعات على أية حال..


لم يحفظني أحد في الميدان بعد.. لا أستطيع الذهاب سوى تخاطيف و لا أتحمل الغاز لمدة تزيد عن الدقيقتين.. لا أقتنع بدوري الثوري في الجلوس في أحد تكتلات أصدقائي لأنني لن أستطيع الاعتصام و لا أملك سوى ساعتين كحد أقصى داخل إطار الحدث، فأفعل كل شيء تخاطيف.. أنضم لمسيرة أو اثنتين تخاطيف، أهتف تخاطيف، أبتاع بضعة محاليل ملحية تخاطيف، و معمول بالعجوة أحاول إعطاؤه للخارجين من شارع محمد محمود لربما ساعدتهم نسبة السكريات في الدم و لا حاجة! أو أكنس الميدان و أتحمل يوماً كاملاً في الشغل من التفنن في التريقة على ذلك لأنني غبية و حكيت ذلك بفخر...ثم أعود للبيت منهكة تماماً من هذه المهام الصغيرة جداً، فأقوم بتشيير بضعة صور و تعليقات أسخر فيها من كل شيء و أقنع نفسي بأنني أساعد هكذا في فضح ولاد الكلب.. أنام بملابسي، ربما بحذائي أيضاً نتاج الإنهاك.. و أستيقظ بعينين متورمتين و رغبة في استكمال مساراتي الضئيلة، دون مضايقة أحد أو الغرق في التبرير..

بالأمس بعد أن غادرت الميدان ، راقبت من شباك الميكروباص ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم مابين الخامسة و الثامنة.. يجلسون في مقابلة الزجاج الخلفي لسيارة 28 منهكة يقودها أب بوجه مقتضب و أم تحاول مراقبة الشارع في الاتجاه الآخر بغربة واضحة... و لكن أفواه الصغار كانت تتحرك بانتظام يوحي بأنهم ينشدون أغنية ما.. و تتوقف أصغرهم فجأة و تضحك بلا سبب ثم تكمل معهم الاسترسال في غناء يحجبه عني الزجاج و لا يظهر لي منه سوى هز الرؤوس الصغيرة بتمايل مع اللحن الخفي..

في موقف كهذا عادةً كنت سأفكر في صغاري أنا التي سأنجبها من الشخص الذي أحب.. و كيف أنني في موقف كهذا كنت سأشاركهم الغناء بالطبع و التمايل و الضحك بأعلى صوت .. و لكن لم يخطر في بالي هذه المرة سوى فكرة واحدة : معانا حق! و المصحف معانا حق.. لسنا مجموعة من الشباب الطائش الذي سيدرك بعد مدة أن الفترة الحالية كانت تستلزم حكمة من نوع آخر و حقناً لكل هذه الدماء.. ربما تمنينا ببلاهة أن تظل هذه الصغار آمنة... أن تملك حقوقاُ أرهقتنا في الاختيار و الحب و البغض و الفهم.. و الاستمتاع بتفاصيل حياة لم يُعدّها أحدهم مسبقاً...

أغمضت عيني في إنهاك لبقية الطريق، حيث أنه من المحفوظات أيضاً أن أعود للبيت منهكة و خائفة من كل شيء ..


وضارعة للي خلقني على منحي الصبر الكافي لتحمل اللعبة القاتلة
لعبة wait & see!

الأحد، نوفمبر 13، 2011

عن العودة للأصول..




عارفين؟
أنتظر من مدة كتابة تلك التدوينة الرائقة الرائعة عن المتع التي لا تخص أحد، أعد لها منذ مدة بالفعل.. امتلأت بمقتطفاتها النوتة و أبتسم أثناء الطبيخ و أنا أضيف في دماغي سطرين أو ثلاثة بداخل أحد الحواديت، و خاطرة طيبة عن هذا أو ذاك.. و لكنني في الحقيقة لا أرغب في كتابتها الآن .. صعبان عليا متطلعش في الآخر بمزاج!..

أرغب ببساطة في العودة للأصول.. أن أكتب كي لا أختنق .. و أحكي بضعة تفاصيل متشابكة تلف و تدور و تدور في منتصف دماغي بالضبط، لأ!.. لا تلف و تدور فقط، بل: تلف و تدور و تدوووور و تدوووووووور و تدوووووووور و تدووووووووووووووور... و تسبب لي هذا الصداع الممل، و أرق من النوع المعتبر..

اممممممم.. نبتدي منين؟
في الحقيقة استيقظت في الثانية و النصف منتصف الليل عشان نمت في النور! .. أقفلت النور و غفيت لمدة لا تزيد عن ساعة و نصف أخرى.. ثم استيقظت .. جائعة و غاضبة و حزينة ! و ليس بيديّ حيلة سوى أن أدب مشوار لحد المطبخ لإعداد سندويتشات و حاجة دافية.. أخطو على البلاط البارد و أشعر بأنني كارهة للعالم إلى أجل غير مسمى و أرغب في شتم الجميع ..

أتناول طعامي و أشرب شاي بلبني و أنا غارقة في السخط على العالم الذي توقف عن الاختراعات المفيدة منذ مدة.. لا يوجد ابتكارات، عمالين يزودو في أم أوبشنات العربيات و خلاص!.. و أنا أصلا بركب مواصلات، فلا يصلني من نفع ذلك شيء!.. لماذا لا يخترعون مكنة سندويتشات -منه فيه- مثلاً؟ يتم تزويدها بالجبن و البيض و البسطرمة بشكل دوري وبها تلاجة ضئيلة جداً و الجهاز بأكمله يعمل بالبطاريات وصغير.. بحيث يمكن وضعه بجانب السرير ، و لما تدوس ع الزرار تطلعلك سندويتشاتك و انت متكلفت لو صحيت جعان.. لتكمل نومك/ يومك/ عمرك! بسلام.. ليه مبيخترعوش اختراعات كويسة كدة؟ كتهم القرف!

أنتهي من طعامي فيبدأ هوس مزيكا بداية الأسبوع .. أبدأ في البحث عن مزيكة مواصلات الشغل النهاردة، و الـ 9 ساعات اللي هقضيهم بعينين محترقتين و قرف ضمني معلوم بالضرورة.. كارهة تماما للـ 24 جيجا الخاصة بالمزيكا على جهازي .. أتذكر ساوند تراك " lars & the real girl"، أقوم بتشغيله أثناء رحلة البحث و أبدأ في الهدوء.. و أقوم بتحميل بضعة ألبومات لـ nouvelle vogue - belle & sebastian - regina spektor، هذا لا يمنع أنني لازلت أشعر بأنني نصف فاقدة للوعي و متنحة في الفراغ!

أتذكر الفيلم.. lars & the real girl
في الحقيقة نظريتي العتيدة تقول.. " الفيلم الحلو يبان من ساوندتراكه!" .. غالباً ما يظل تلفاز غرفتي مفتوح على ام بي سي ماكس من باب الونس دون أن اتابع حقيقة ما يتم عرضه.. أمر مرور الكرام بجانب الغرفة فتخطفني موسيقى مشهد ما ، لا يمكنني سوى أن ألتفت.. و في الغالب أكمل الفيلم و أقوم بعدها بتنزيله و ساوند تراكه عشان أشوفهم بعدين برواقة.. و دائماً لا يخيب ظني، و أجد الفيلم جيد بالفعل

حاسة إني بلف و أدور و أدووور بردو عشان متكلمش عن الفيلم، ربما لأنه أصابني في العمق!.. لم أدرك من قبل أن الغرق في الوهم من أكثر مخاوفي صعوبة.. لارس الذي غرق في وهمه تماماً، بل كان بالشجاعة الكافية لتجسيده أيضاً في دمية لطيفة مبتسمة رائعة التقاسيم تشبه تماماً ما يحلم به.. تاريخها/ تفاصيل حياتها / رد فعلها تجاه كل شيء.. / حواراته البسيطة التي صاغها معها من طرف واحد، مرافقتها في كل مكان بابتسامة شاسعة تشبه تحقق حلم.. حتى أتعبته كل هذه المقاومة من أجل حلم لطيف مرهق.. فأصاب دميته الرائعة بالمرض ببساطة لتبدأ في الاحتضار!

لا يمكن أن أنسى لحظة قراره بموت " بيانكا" .. و كيف ودعها وبكاها و تألم لها كثيراً برغم أنه قرر توقيت موتها بنفسه.. أنا مرهقة بالشكل الكافي كي لا أملك الطاقة اللازمة لتشبيه كل هذا بما نفعله في كل شيء... مخابيل! لماذا لا نملك قدراً كافياً من الذوق يمكننا من التزام الصمت قليلاً و التمتع ببساطة بالحياة؟

قلة النوم تصيبني في مقتل!
إضافة لآلام تأكل معظم جسدي، أصبح صعبة الإرضاء و ناقمة و معدومة الأمل و الضمير!

دش صباحي لطيف سيحل جزءاً من المشكلة..
قلتلكو أنا الموضوع دة قبل كدة؟؟ الحل الوحيد الذي أملكه تجاه كافة المشاكل، يا إما أخش أنام يا إما آخد دش .. ممكن أطلب أكل مبهج بردو، معنديش حلول تانية!

و..كدة هتأخر ع الشغل

صباح النور :)