الثلاثاء، سبتمبر 22، 2015

رسالة إلى صديقتي في القارة الأخرى...

صديقتي في القارة الأخرى..

لا تعلمين كم أحببت رسالتك وابتسمت، جاءت لي في صورة هدية قدرية طيبة تخبرني أن الاحتمالات في هذا العالم لن تنتهي أبدا، ولن تقتصر على الزحام في دماغي.. هناك دائما احتمالات أخرى وأحداث غير متوقعة ليس علي انتظارها، علي فقط أن أجيد استقبالها لتدركني متعتها الخاصة

هذه الأيام في حياتي يمكن تجميعها خلف يافطة كبيرة مكتوب عليها "التباس!".. كل شيء في عالمي يخضع لسوء الفهم، لا أجيد فهم من حولي ولا يجيد الآخرون فهمي وأشعر برغبة في الصراخ كلما تطلب مني الموقف المزيد من الشرح.. تضيّع الفتاة التي تساعدني في التنظيف اغراضي و كلما سألتها شعرت بالاتهام والخوف وبدأت في الدفاع عن نفسها، لا أجيد الهندية ولا تجيد الإنجليزية ولا أعرف كيف أشرح لها أنني لا أنوي إيذاءها أو التخلي عنها، أنا فقط أسأل ببساطة..

مربية مارية أيضا، كلما سألتها عن شيء تحاول تبرئة نفسها.. ثم تقابلني مارية دون أن تبتسم فتشعر المربية أن عليها مواساتي ولا أمتلك طاقة لأشرح لها أن مارية تبدأ في اللعب معي والتعبير عن سعادتها برؤيتي ما إن ندخل الأصانسير..

يحدث خطأ ما في العمل فتنسى مديرتي أنها قالت هذا أو ذاك وأنا لا أرغب في الجدل.. أصمت فقط وأعيد سماعاتي إلى أّذني.. تتحول مفاجأة طيبة أحاول صنعها لزوجي إلى حادثة تتطلب التخطي.. وأنا أجلس في منتصف هذا العالم المُرهِق دون أن أفهم ما علي فعله بالضبط..

 كفاية يا جماعة أنا مش عايزة أشرح ومش مهتمة تفهموا سيبوني في حالي! حتى هذه الجملة لا أقدر على البوح بها فأبتسم ببساطة كي أبدو موافقة على فهمهم الخاطئ وأحاول التناسي..

انتهت حقبة مؤلمة في حياتي كنت أكابد فيها قلة المال، أًصبحت الأمور أسهل قليلا بعد أن انتظمت في العمل وقبضت أول مرتب، أحاول مقاومة هوس الشراء لكل ما كان ينقصني.. مش عايزة الحكاية تتحول لعقدة! ولكنني لا أصبر على أغراض مارية تحديدا، كلما رأيت ملابس جميلة وأغطية اشتريتها فورا.. ولكنني أصبحت أشعر أن الحكاية لم يعد لها ذات البهجة.. التكرار يفقد الأشياء بهجتها، وأصبح الشراء حدث يتطلب التخلص من الأكياس الكثيرة وتفريغها لا أكثر ولا أقل

فقط التكرار في العمل أصبح يريحني كثيرا، أشعر بالامتنان أن عملي لا يتطلب جهدا ذهنيا كبيرا بل حفظ للخطوات وتكرار مريح يُشعرني أخيرا أنني ممسكة بزمام الأمور.. أذهب إلى عملي وأصنع قهوتي التي أضع فيها كمية مبيض مبهرة للواقفين حولي.. أضع سماعاتي في أذني.. وألغي عقلي تماما وأذوب.. أحيانا فقط أفكر في شكل زوجي وهو يراقبني أثناء العمل، هذا المشهد يتكرر في ذهني كثيرا، وأفكر أنه سينبهر من سرعتي على الكيبورد وحرفيتي التي لا تشبه الفتاة التي لا تجيد أي شيء في البيت ويمكنها تخريبه في اقل من نصف ساعة.. عندما أفكر في هذه الأشياء أشعر أننا لازلنا في أيام الخطوبة.. وأبتسم

في بقية الوقت ألغي عقلي تماما، أنا لست أما ولست زوجة ولست ابنة ولا أختا، أنا لا أحد.. فقط فتاة تضع توكة على شكل فراشة في جانب شعرها لتبدو طفولية وليست على وشك أن تتم 28 عاما بعد عدة أشهر.. تحاول ارتداء ملابس تشبهها وحقيبة ظهر وتسير بسرعتها المعتادة دون أن تفكر في الكرش الصغير الذي خلفته الولادة.. تشاهد انعكاس صورتها في زجاج المباني فتوقن أنها تبدو أسمن من صورتها الذهنية عن نفسها ولكن لا يهم.. لا زالت ضحية لمشاعر الذنب لأنها ترتدي نص كُم، أحيانا كثيرة تفكر أنها كانت أحلى بالحجاب وأكثر قدرة على الاندماج.. تحاول ألا تفكر في أنها تبدو مضحكة ومدعية في الفستان الأنثوي والبوت الذي جربت ارتداءهما يوماً، وتشعر بالفخر أحيانا أنها لم تضع في غياهب عقلها بعد..


مارية تكبر وتزحف في أرجاء البيت كقطة صغيرة، تأكل كل شيء ملقى على الأرض وتزيد من إحساسي بأنني لا أصلح لمهمة الحفاظ عليها.. أنا أترك الأشياء ملقاة هنا وهناك طوال الوقت وأنسى.. أنسى أنها كبرت لدرجة تُمكنها من الوصول إليها وتجعلها في خطر.. أحببت أن أخبرك في هذه الفقرة تحديدا أن تتناسي كل ما قرأتي من أبحاث كي تستطيعي استكمال الرحلة، من الرائع أننا حصّلنا قدرا لا بأس به من المعلومات يعيننا في هذه المهمة الضخمة التي أثقلت كاهلينا.. ولكنها في كثير من الأحيان لا تمت للواقع بصلة

نسيت أن أخبرك أنني اشتريت بعضا من الأُثاث للبيت.. أخيرا! ولكنني اشتريت أغطية رمادية للأرائك مع الكثير من الخدديات الملونة.. أتجول في المنزل وأنظر للون الرمادي ولا أفهم لماذا اشتريته، كما أن الأثاث لم يتم توصيله لي في أفضل صورة.. أغطية الأرائك كانت مكرمشة وتبدو وكأنها مستعملة، وهناك العديد من العيوب التي تلقطها عيني الشريرة ببساطة.. أفكر أن الله يدربني على التوقف عن التصرف بهذا الشكل، عن تعلم غض النظر عن العيوب والاستمتاع بالجيد فيما أمامي.. علي أن اتناسى أن هذا الرمادي ليس مبهجا وأن أوقن أن هذه العيوب لم تفسد الأمر بالكامل.. أحاول عندما أنظر إليها أن أوجه نظري لبقية الأغراض، للحلو فيها.. ربما علي تعلم هذا الدرس


المضحك حقا أنني لم أكن أمتلك المال لعلاج أسناني التي كابدت معها كثيرا.. الآن أمتلك المال ولكن الأطباء لا يرغبون في علاجي.. يتحسسون هنا كثيرا من موضوع العدوى والفيرس الذي يرقد بالسلامة في دمي، منذ عدة أيام ذهبت لطبيبة وأخبرتها فقامت بارتداء خوذة تشبه التي يستخدمونها أمام اللحام.. لم أكن أعرف هل علي أن أضحك أم أحزن.. آخرون أكدوا أن عليهم تبليغ وزارة الصحة، ربما قاموا بترحيلي إن فعلوا ذلك.. أتحسس الكتلة المتورمة أسفل ضرسي بلساني ولا أعرف ما علي فعله الآن

لدي إجازة ستمتد للأحد المقبل، أخذت مارية لمربيتها اليوم على أمل قضاء بعد الوقت لنفسي.. أتناسى إحساس الذنب وأملأ البانيو وأفكر في سماع أم كلثوم بصوت عالٍ، تحديدا المقطع الذي تقول فيه "كنت بشتاقلك وانا لسة هنا..."

سعيدة لأنني أراسلك، أنا لا أعلم حقا لماذا لم نخبز الكعك سويا ونتنقل بين شقتينا أكثر.. ربما سيحدث هذا قريبا إن قاموا بترحيلي بالفعل

قبلي سلمى عني وأخبريها أنني أشتهي احتضانها واحتضان أمها أيضا، سنفعل ذلك قريبا ونقضي يوما رائعا، ونفكر في كل هدايا الله ونتناسى غصة الحلق.

قبلة كبيرة..