لا أحد يعرفني بالشكل الكافي..ولا حتى أنا!
في الحقيقة و حتى في أكثر خيالاتي تشاؤما و فانتازية لم أكن سأتوقع أبدا أن أكبر مشاكلي هنا في البلد الغريب -بعد ما أخيرا سافرت!- ستكون أن أصاب بأسوأ أنواع اكتئابي حدة.. اللي هو بتاع العياط المستمر المستمر المستمررررر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. يس! انا قاعدة في اوضتي في اسطنبول بحاول أبطل عياط بالفعل و مش عارفة..عموما، أجلس الآن إلى جانب شباك غرفتي بالأوتيل، بعينين منتفختين فشخ! أراقب الناس تسير في مساراتها و كل واحد ملهي في اللي هو فيه.. ناس شايلة حاجات تقيلة و ناس بتتكلم في التليفون و مبسوطة ان الخط جمّع، بنات سماعاتها في ودانها و تايهة، ناس مرهقة، و ناس نشيطة و بتتمشى، و ناس قاعدة مقرفصة ع السور الحجري اللي قدامي اللي بيقعد عليه الحبيبة بالليل عاملين نفسهم مستنيين تاكسي.. بس في الحقيقة هيا بس بتبقى المساحة اللي فاضلة في اليوم لضم الخصر أو سند الراس ع الرجلين قبل مايضطروا يروحوا، إعلان ماكدونالدز ب 7 و ربع و 8 و ربع ليرة تركي، إعلان أكل قطط كبير و إعلان حاجة ليها علاقة بديزني، عربية نقل بتتفتح و يتضح ان جواها حمولة ورد.. اوتوبيس سياح بدورين ألوانه مفرحة..وبنت جميلة شعرها لونه بلون "الخراب الأزرق" بتاع كيت وينسليت في eternal sunshine..
أنا في البلد بقالي يومين وشفت حاجات لطيفة، بس مش قادرة احكي عن الجبال و التلج و الشجر و المآذن المخروطية العثمانلي و كمية الحمام اللي منتشرة في كل حتة..انا ممكن أحكيلكو عن الدبان التركي! مختلف تماما عن الدبان المصري على فكرة، مش مهتم خالص انه يقف على مناخيرك و صوابع رجلك و جنب ودانك،دة من ساعة ما دخل الأوضة ماحاولش يقرب مني أساسا.. هو بيلف في دواير منتظمة، في الحقيقة هيا دايرة واحدة مركزها محدد، تحس انه طقس تعبد يتطلب كمية معينة من الطواف، اللطيف ان دبانة تانية دخلت تشارك الدبانة الأولانية بركات الطواف في اوضتي و ابتدوا الاتنين يحبوا ف بعض، لو كنا ف فيلم أنيميشن و اترسمت مسارات لف الدبان دي بالنور وراهم كانت هتتكون دواير سحرية متقاطعة و ملهمة.. الذباب يقع في الغرام أمامي و انا قاعدة جنب الشباك بسمع مزيكا وبحاول أفتح عينيا المنفوخة و بفكر اني محتاجة آخد دوش و أنزل آكل و أدور على أي محل بيبيع سماعات صوتها عالي عشان احطها ف وداني و اتوه في الشارع شوية.. يمكن أركب أوتوبيس السياح دة و ألف بيه..يمكن ربنا يهديني و اشيل من دماغي فكرة اني اشوف أقرب طيارة و ارجع.. اركب تاكسي من المطار لبيتك و اقعد ع الكنبة و اشوف خيالك بيتحرك في محيط قريّب فأسند راسي على دراع الكنبة و اروح في النوم.. عُمر اللي هيكون قاعد بيتفرج ع الكرتون جنبي هو اللي هياخد باله و يجري يقولك: عمو عمو طنط ريهام نامت! فانت تيجي تبص عليا شوية و بعدين تقرر انك تشيلني تنيمني على سريرك.. و تخش تشقّر عليا كل شوية لحد ماصحى، وكل ماقلق ألاقي ريحتك في السرير فأرفض اني أصحى خالص و أكمل نوم.. ولما أصحى أخيرا ألاقيك قاعد مبتسم بعتاب و بتقوللي: أنا مش قلتلك اني بقيت كويس و اتفقنا انك هتفضلي هناك عشان تشوفي الحاجات و تحكيلي؟!
انا ساعتها هقولك انه حاجات ايه؟ الحاجات كلها باردة و ملهاش طعم و مؤلمة.. الحاجة الوحيدة اللي عايزة أعملها اني اقعد معاك ع القهوة و محمود يجيبلنا الشاي الكشري التقيل و الشاي بلبن بتوعنا و نقعد نضحك على اني سبت اسطنبول باللي فيها عشان ترابيزة بين بنكين و مية.. العالم براها ابن وسخة وحزين!
الموضوع كان محتاج تحويشة و فيزا و طيارة تبعدني عن الحدود، عدد 2 غروب في مشاهد ملهمة و سرير 90 سانتي جنب شباك بيبص ع الشارع و الشجر وإعلان أكل القطط، الفرجة على الولاد و هما خارجين من المدارس هنا الساعة 1 الضهر بتي شيرتاتهم النبيتي و بناطيلهم الرمادي مع سيد درويش و هو بيقول " و الأغراب دول زي يتامى" عشان أصدق اني مش عايزة حاجة تانية فعلا غيرك.. ولا حتى حلم السفر اللي اتحوّل لكابوس الغربة.. مش جو كلام حلو، لأ..
انا فعلا مش عايزة أي حاجة تانية :)