بابا.. مساء الخير
أنا أعرف أنك تظن أنني نسيتك لأني لا
أتصل كثيرا.. في الحقيقة لا أتصل خالص! أحاول أنا أيضا أن أجد تفسيرا علميا لهذه
الظاهرة الغريبة، أفكر في الاتصال بك طوال الوقت ولكن ينتهي بي الحال بألا أتصل..
أتخيل سيناريوهات للمكالمة: تخبرني "اني ما بسألش" فأرد "طب منا
كمان والله محدش بيسأل عليا ومابزعلش!" فندخل في جدل طويل وننهي المكالمة
بانزعاج.. أتخيل سيناريو آخر تلومني فأقول كلمات عامة مثل "معلش حصل
خير" او "الدنيا تلاهي" وأحاول شد طرف الحوار ناحية الأسئلة التقليدية
عن الحال والصحة وتنتهي المكالمة بأقل الخسائر.. هناك سيناريوهات عديدة أفشل في
الاختيار فيما بينها فأقوم بتأجيل المكالمة إلى ما لا نهاية..
ولكنني في الحقيقة لم أنسك مطلقا..
أفكر فيك طوال الوقت وأتذكرك في كل المواقف.. فكرت أن أخبرك بهذه المواقف كلها حتى
تصدقني، وأتخيل سيناريو جديد "نوفي" أقوم فيه بإرسال هذا المقال لك
فتقرأه وتنشكح وتنحل جميع مشاكلنا.. مثلا؟
أتذكرك حين تصاب مارية بدور برد سخيف..
أتذكر قاعدتك الخالدة بأنك المريض يجب أن يأكل شوربة الأرنب.. أتذكر كل المرات
التي كنت أصاب فيها بالمرض فتحضر لي شوربة الأنارب حتى ترم عضمي حتى إن كنت غضبان
علي لأنني أحبس نفسي في غرفتي طوال الوقت.. أتذكر كل شيء وأعد الشوربة لمارية..
شوربة معبأة بحكايات لا يتسنى لنا الوقت لذكرها
أتذكرك حين أشتري أشياء ثقيلة وأحمل
أكياس كثيرة في عز الحر.. كنت دائما تعود نافذ الصبر من رحلات شراء مستلزمات البيت
وأنا لم أكن أفهم السبب.. طب ليه ماتطلبش منا وخلاص؟ فهمت الآن هذا الشعور بأنه لا
أحد يجيد أي شيء وعليك أن تفعل كل شيء بنفسك وإلا كانت النتيجة المزيد من الأعباء
-بس بيني وبينك ساعات بطلب من اللي حواليا يعملوا هما الحاجات والحدوتة دي بتنفع-
أتذكرك حين أعد الطعام، وأتمنى في
الحقيقة أن تزورنا هنا وترى مستوى طبخي الذي تقدم كثيرا ومابيعجبش حجازي أوي.. هو
معتاد على أنواع أخرى من الطعام وأنا لم أعد أحزن لذلك، ولكنني أفتقد وجودك في
وجبات عديدة كانت ستعجبك وترفع معنوياتي
أتذكرك حين أمسك بمقبض السيارة
الملتهب.. أمضيت عمرا تمسك بالمقابض الملتهبة وتقود سيارتك في درجات حرارة شنيعة..
أتذكرك أيضا حين ارتدي نظارة الشمس اجباريا برغم أنني لا أحبها.. إلا أن انعكاسات
شمس الخليج الحارقة تجعل القيادة صعبة والرؤية متعسرة.. أتساءل كيف أمضيت عمرا من
القيادة في الشمس دون نظارة.. كيف لم يلفت هذا الأمر انتباهي من قبل؟
تذكرتك اليوم تحديدا وأنا أقود وسط
ضباب مخيف.. تذكرت أنك كنت تفتح الشباك إلى جانبك لسبب مجهول ولكن ذلك كان يحسن
الرؤية.. ففعلت ذلك بتقليد أعمى ودون فهم.. وبصراحة الرؤية ماتحسنتش بس مش مشكلة
بقى :))
أتذكرك وأنا أكافح لأبقي عيني مفتوحتين
في نهاية طريق 170 كيلو! في الحقيقة أتخيل مارية وهي تجلس إلى جانبي وتراقبني وانا على وشك النوم ولكنني مستمرة في
القيادة لأنني لا أستطيع أن أترك كل شيء وأقول "مش لاعب!" ولا تفهم عظمة
هذا الموقف.. لأنه يظل عاديا حتى نجربه
أتذكرك وأنا لا أريد القيام بأي مشاوير
إضافية لأنني كرهت السواقة وسنينها والضروريات لوحدها أصلا مهلكة.. أتذكرك وأنا
أجد أن الأيام تمضي في سلسلة لا نهائية من المسئوليات والعمل.. ما كنا ننتقدك عليه
سابقا اضطررنا لتنفيذه بحذافيره
أتذكرك وانت تقول " أنا محدش
بيعملي أي حاجة" يسيطر علي هذا الشعور كثيرا.. حتى إن قمت ببعض الطلبات كي
أتخلص منه يبقى الاحتياج لأشياء لم نطلبها.. حد خد باله وعملها!
أتذكرك وأنا غارقة في أسطورة
"الحق.. الحق!" كل الأشياء تحدث في نفس الوقت ويجب أن تهتم بها جميعا في
نفس الوقت.. ولا يتبقى لك سوى 5 ساعات نوم بالعافية ولا يوجد من هو مستعد لسماع
هذه الشكاوى طوال الوقت
أتذكرك طوال الوقت يا أبي.. أن لم أنس
أي شيء.. أنا فقط لا أتصل لأسباب غير معروفة..
في المرة القادمة قبل أن تغضب علي، ضع
أمامك ليستة الخيارات التالية:
ريهام بتكره التليفون والسكايب.. ريهام
مكتئبة -أغلب الوقت-.. ريهام حمارة بس قلبها طيب.. ريهام بتسوق 340 كيلو كل يوم
ومش عاوزة تعيش.. ريهام عيانة أو بنتها عيانة.. ريهام مكتئبة -تاني-.. ريهام مش
عارفة تتصل تقول ايه.. ريهام عاوزة تسيب الشغل ومكتئبة -تالت-.. الخ.. الخ
شكرا يا بابا
مارية تبعث قبلاتها.. وننتظر زيارتك
لنا قريبا
السائقة المعذبة
ريهام
2 التعليقات:
مدهشة يا ريهام مبتتغيريش 💜 قبلات كتير فشخ
لأنني لا أستطيع أن أترك كل شيء وأقول "مش لاعب!" ولا تفهم عظمة هذا الموقف.. لأنه يظل عاديا حتى نجربه :)
إرسال تعليق