الاثنين، أكتوبر 29، 2018

حكايات تافهة، بعضها غير لائق

والله زمان!
المرة الأخيرة التي جلست فيها هذه الجلسة المقدسة عشان أكتب.. أ كـ تـ ب.. كانت في عيد ميلادي الثلاثين، أوشك الآن على إتمام 31 عاماً بالصلاة على النبي ويمكنني أن أؤكد أن هذا "الريكورد" يمثل أطول فترة أمضيتها منذ سنوات بدون كتابة.. وفضفضة.. وفزلكة.. وريفرش على البوست اللي بنشره للتدوينة بعد ماخلصها عشان أتأكد إن فيه حد معبرني وقرا هرائي الجميل.. ميموريز محببة إلى القلب

لا أدري كيف أبدأ، أجلس أمام صديقة العمر -المدونة- مبتسمة أحاول أن أبدأ الكلام بعد هذا الانقطاع، صديقتي الطيبة تبتسم في المقابل وتشجعني أن أبدأ، مفيش صح وغلط هنا.. كل الكلام يصلح لبداية هذا الحوار الأبدي الذي لم ينقطع أبداً داخل دماغي.. لا تزال التدوينات تُكتب في داخلي وانا سايقة، وانا بطبخ.. أنا فقط لم أفرغها على الورق.. المدونة تبتسم ابتسامة "منا عارفة" وتنظر لي نظرة "كفاية مقدمات ياختي وابدئي.."

حسناً، يمكنني أن أتحدث عن النسيان.. "النسيان يا دوري هو دوايا" هكذا قال مرهف لدوري وأنا أقول: النسيان هو اللي هيوديني في داهية!
بحر التفاصيل اليومية التي لا تنتهي، على سبيل المثال.. أشياء كثيرة هنا -في الإمارات- عليك أن تعتني بدفعها بشكل دوري غير الفواتير المعتادة، يجب شحن بطاقة سالك كي تدفع بها تكلفة المرور بين إمارتين، يجب أن تدفع "الباركينج" الذي أنسى دفعه بشكل دوري وأعود من شيفت 12 ساعة كي أجد بطاقة مخالفة تزين الواجهة الأمامية لسيارتي.. أقف في الشارع أتلفت حولي في محاولة لأن أجد أي بني آدم أخبره أنني والله كنت ناوية أدفع بس نسيت! دة انا حتى جبت كروت شحن للموبايل، عشان الدفع بيكون برسالة موبايل، ولكنني نسيت أن أشحن الكروت التي اشتريتها أصلا فضلا عن أن أرسل الرسالة.. ثم أعود للمنزل كي أكتشف أنني نسيت أن أرسل تفاحة مع مارية إلى المدرسة من أجل نشاط A for Apple.. نسيت أن أرد على رسالة مبعوثة لي من الجمعة الفائتة ونسيت أن أعاود الاتصال بأبي بعد أن كلمني خلال اجتماع.. نسيت أن أملأ بنزين وأمضيت ربع ساعة من الرعب وعداد البنزين عند الصفر بالضبط وأنا في انتظار أن تقف السيارة في وسط الشارع في أي لحظة، بس ربنا ستر ولحقت أوصل البنزينة.. نسيت أن لثتي المسكينة تلتهب التهاباً شديداً بشكل دوري، مرة في الشهر على الأقل.. أجلس في حالة من الضيق ولا أتذكر السبب.. أنسى أن تقرحات اللثة المزعجة هي المسؤولة عن مزاجي المعكر.. أنسى أنني أنسى وأصاب بالحيرة.. مين فين ازاي، من أنتم!
أجلس على مكتبي في الشغل جائعة للغاية، أنسى أنني أطبخ أكل الأسبوع كاملاً ليلة الجمعة ومن المفترض أنني لدي طعام آخذه معي كل يوم ولكنني أنسى أنني أحتاج أن أشتري علبة طعام تصلح لأن آخذها معي.. فيكون عقابي ألا أتذوق كل الطعام الشهي الذي أمضي ليلة مرهقة في تحضيره..
بالأمس قررت ألا أستسلم للإنهاك وقلت هاكل ع الواقف أول مارجع البيت قبل مانام.. الله! ملوخيتي الجميلة وفراخي الرائعة.. أنا لست مُعاقبة إذن ويمكنني أن أتناول من طعامي.. ويمكن لـ "لوزة" أن تشاركني الوجبة اللي ع الواقف دي بنظرات الاستجداء كالعادة فأشاركها وجبتي السريعة فشخ.. نقف كلتينا أمام الميكرويف نتبادل الأدوار على قطع الدجاج.. في الحقيقة لا أصدق أنني لم أتحدث هنا عن لوزة من قبل!



لوزة كلبتي الجميلة التي تسمع صوت الباب فتقفز من أبعد نقطة في الشقة وتركض تركض وتتزحلق وتعمل أكروبات عشان تيجي تسلم عليا، ثم تذهب بسرعة لتلتقط لعبة وتأتيني بها بدون تفكير.. وأنا كل يوم بقولها نفس الجملة: "الله.. ايه دة.. لعبة؟ دي لعبة جميلة أوي.. شطورة يا لوزة.." تظل تحوم حولي دون أن تقدر على التحكم في نصف جسمها الذي يتمختر مع ذيلها بسعادة.. وما إن آخذ منها اللعبة حتى تقفز علي بأداء "مش هسيبك! آخر مرة سيبتك نزلتي وكنتي هتختفي للأبد"

لوزة تقنعني أنني شخص جيد -حتى وإن أصر كل شيء على إثبات العكس- أنفخ في طعامها الساخن لأنني أخشى على سقف حلقها من الفأفأة.. هو سقف حلق الكلاب بيفأفأ؟ والله معرفش بس قلبي مبيجبنيش أديها أكل سخن.. أزيل الأجزاء المدببة من العضمة التي أعطيها إياها لأنني أخشى أن تؤذيها.. أمضي عدد لا بأس به من الأيام في رحلة بحث أون لاين حتى أحل مشاكلها.. في إحدى المرات أقنعني طبيب منيل بنيلة أنها تحتاج إلى جراحة لكن لم يطمئن قلبي، فأمضيت وقتاً لا بأس به أقرأ عن المشكلة ووجدت على يوتيوب طريقة مساج لحلها.. داومت عليها وحليت المشكلة ومعملناش العملية! كنت فخورة لأنني أعرف في قرارة نفسي أنني حلالة العقد، وأنني بدون مبالغة أستطيع أن أفعل أي شيء أريده.. مشكلة أخرى واجهتني معها.. لوزة بتخاف من طبق الأكل! آه والله.. الكلبوبة العبيطة بتقعد تشمشم حواليه وتبصله وتمشي وهي حزينة.. وفي مرة قعدت حوالي 5 ايام مش عايزة تاكل لهذا السبب! هتعملي ايه يا ريهام؟ يلا نتسحل ونقرا ع النت

يبدو أن أطباق الطعام ارتبطت معها بشيء سيء، وما فهمته أن الطوق الذي كانت ترتديه كان يصطدم بالمعدن ويصدر أصواتاً قريبة جدا لأذنيها تخيفها.. توقفنا عن استخدام الطوق واشتريت لها طبق بلاستيك.. الحالة تحسنت والحمد لله، لكنها لا تزال تنتظرني حتى أشجعها على الذهاب لطبق الأكل بأن أعطيها القليل من طعامها من يدي أولاً.. ما إن تطمئن أنني هنا وأنني سأحميها من الطبق الشرير حتى تذهب في أمان لتأكل بنهم، فتؤكد لي لوزة أنني شخص جيد.

أشياء أخرى بقى تؤكد لي إنني شخص مش جيد خالص، ولا حتى مقبول! أفكر في السبب الذي أوصلني لحالة الوحدة والعزلة التي أشتكي منها بشكل دوري.. هل فقدت قدرتي على التواصل مع البشر أم أنني طردت الناس من حياتي بلا رحمة؟ بينجو.. الإجابة رقم 2 تفي بالغرض.. مازلت مقتنعة أنني كنت بحاجة لأفعل ما فعلت في تلك المرحلة التي فعلتها بها.. ولكنني أحاسب نفسي مؤخراً على كل الجثث التي خلفتها حملتي التطهيرية! رغبتي في البعد عن المشاكل، عن الهراء، عن الضغط النفسي البشع الناتج عن علاقات يمكنك أن توصفها بالمسيئة، ويمكنك أن توصفني بالمبالغة، لكنني بالفعل كنت أعاني.. فأبعدت الجميع! كل شخص كنت أشعر بالقلق أثناء التواصل معه، بوجع البطن من احتمالات ردود أفعاله، بعدم الاحترام له.. ذهب من حياتي بلا عودة.. المشكلة أنني لم أضع أية قيمة لأولوية هذه العلاقات أو أهميتها المعتادة.. مش فارق قريب من غريب، كله راح في الباي باي.

شعرت بنوبة حنين مفاجئة لكل هؤلاء الناس واستخدمت مهاراتي البحثية على فيسبوك حتى أتفقد أحوالهم.. أفراد من العائلة لم أعد أعرف عنهم شيئاً وآخرون.. يا إلهي كم كبر الجميع! هناك أطفال تحولوا إلى مراهقين بيقولوا كلام كبير على أكاونتاتهم.. رجال يبدو عليهم الشيب لكنهم يصبغون شعورهم بانتظام، صورهم منحتني رحلة إلى الماضي وتذكرت فرحتي بتجمعات العائلة وأنا صغيرة.. استغرقت في تذكر بعض التفاصيل، لا أدري لماذا تذكرت تحديداً حادثة قديمة لإحدى قريباتنا اتهمها الجميع بخيانة زوجها وانتشرت عنها الأقاويل بفظاعة.. كنت طفلة وتلك الحوارات تدور حولي وحتى الآن لا أصدق أنهم كانوا يقولون تلك الأشياء أمام أطفال! تذكرت أن إحداهن كانت تروي إن ربنا نجدها من الوقوع مع تلك السيدة عديمة الأخلاق في الشرك، فلقد كانت تحثها على شراء حقيبة صغيرة يمكن وضعها داخل حقيبة اليد الكبيرة لتضع فيها ملابس داخلية في حالة احتياجها لها! اسشهدت صاحبة الرواية بهذا الاقتراح على أن تلك السيدة كانت بالتأكيد تفعل أشياء مشينة.. ولكنني أراها فكرة جيدة جدا والله يا جماعة! خصوصا بالنسبة للستات الغلبانات التي تدمرت مثاناتهن بعد الحمل والولادة وقد يجدن أنفسهن في موقف سيء متعلق بتسرب البول عافاكم الله يعني.. كما أن النساء تعاني من مباغتة الدورة الشهرية في كثير من الأحيان.. فالفكرة مفيدة فشخ يعني.. وأنا بالطبع لا أذكر أي شيء عن تلك السيدة البعيدة ولكنني أفكر الآن أنني لا أصدق ما كان يقال عنها، ربما كانت ضحية لاحتياج هؤلاء الأشخاص للدراما.. ربما كانت سيئة أيضا، أو ربما كانت غبية لتأتمن على أسرارها القبيحة مع أحدهم

عموماً.. عندما أفكر في تلك الصراعات الوهمية التي كنت أغرق فيها معهم أؤكد لنفسي أن قراري كان صحيحا، لكنني لا أستطيع أن أنكر أنني أفتقد مظهر اللمة حتى وإن كان زائفاً، وأفكر الآن أن تلك الصراعات التي رفضت أن أكون جزء منها هي الثمن الحتمي لعلاقاتنا بالبشر، وأن الهروب منها يعني الهروب الأبدي منهم، فلا داعي للندب على موضوع الوحدة وكدة..

بس عموماً ماتفهمونيش غلط.. أنا لا أحاول أن أشتكي من حالي ومن طحنة الشغل مثلا التي أصبحت تشكل عالمي بأكمله، في الحقيقة أشعر كثيراً أنني محظوظة بحبي لعملي.. وأنني غبية بالشكل الكافي كي أترك وظيفة جنب البيت ومرتبها عالي لمجرد أنني تعيسة فيها وأختار وظيفة تحتاج سفر يومي بمرتب أقل لأن فيها شيء يعجبني.. قدرتي على فعل ذلك تثبت لي أنني لم أنتهِ بعد.. لازلت على قيد الحياة، وأختار -ولو نظري كدة- كيف سأحيا الحياة التي وضعت على قيدها.
أكتشف أنني شخص يليق بالمطحنة، دوامة العمل ليست سيئة للغاية.. والقيادة لمسافات طويلة في هدوء الليل وأضواء الشوارع تمنحني متعة لا تشبه المتع المعتادة.. أغني بصوت عالي مع المزيكا حتى لا أصاب بالنعاس وأتذكر أشياء مضحكة فأضحك بصوت عالي وحدي كالمجانين، أتدرب على كل الحوارات التي أخشى القيام بها وأرد بقوة وعنف فأفرغ طاقة الغضب ولا أقوم بتلك الحوارات في الواقع خالص.. أظل حبيسة عالمي الخاص ولكن ذلك ليس سيئاً جداً أيضاً.

يوماً  ما سأحقق حلماً بشراء كاميرا برو وارتداءها فوق رأسي أثناء القيادة لأصور رحلة الطريق والأغاني.. ربما سأنشئ صفحة أسميها "عربية ريهام" عبارة عن لقطات من الطريق.. أفكر أن زملاء العمل سيرونها ويمطرونني بوابل من التريقة فأتراجع لكنني في النهاية هعملها!
أحدث شطحات القيادة كانت أنني فكرت في فكرة بنك.. بنك لمارية التي لم أتحدث عنها اليوم لأنها محتاجة شغل بعد الضهر! فقرة في تدوينة لا تكفي.. لكنني سأنشئ لها "بنك"

سأتمكن من إقناع العالم بإمكانية أن يحول الشخص ممتلكاته بأكملها إلى بنك من أشياء غير مادية يورثها لمن يريد أن نحميهم من الحياة.. بنك من الأصدقاء الذين لا يختفون بالمسافات، يمكن لمارية أن تستعير منه الصداقات في وقت زنقة، بنك من اللمسات الحانية يفيدها بعد الزواج، إذا قرر زوجها ألا يلمسها سوى بهدف الذهاب إلى السرير ستجد لديها رصيد من لمسات طيبة لا غرض منها سوى ألا يتخشب جسدها ولا تتيبس روحها، لا حاجة بها لأن "تدب خناقة" كعادة النساء عندما تشعر بالوحشة.. سيساعدها الرصيد على التخطي.. بنك من لحظات الشعور بالإنجاز، بالنجاح حتى لو كان زائفاً.. بنك من نسمات الهواء يمكن الاستعارة منه عندما يشح التنفس.. بنك من ابتسامات الترحاب في وجه رغبة العالم في رزع الباب في وجهها.. سأورثها بنك لن تشقى مادامت تحتفظ بأرصدة فيه.. على الله بس ماتبعترش الرصيد ع الفاضية قبل المليانة!

اييييه.. 1600 كلمة! يبدو أنني رغيت كتير أوي.. قدرتي على الاستمرار في الرغي وحكي كل هذه التفاهات تذكرني بالمشهد الأخير من فيلم Changeling بتاع أنجلينا جولي، عندما توصلت في نهاية الفيلم لاحتمال ضئيل ضئيل بأن يكون ابنها قد هرب من السفاح، وأن عمرها لم يضيع هباء.. تقول في نهاية الفيلم:
It gives me something I didn’t have before tonight
What is that?
Hope…





6 التعليقات:

Tota يقول...

انتي عظيمة وملهمة بجد ياريهام ربنا ينورلك قلبك كمان وكمان ويحفظلك مارية وكل اللي بتحبيهم دايما يارب

candy يقول...

عودا حميدًا :)
أنا بحب المدونة دي وبستني اللي بتكتبيه وبالنسبة لي زي اكله حلوة قوي قوي

Unknown يقول...

جميل

Unknown يقول...

جميل

Lobna Ahmed Nour يقول...

حبيت <3

غير معرف يقول...

كتابة جميلة .. وتفاصيل -كالعادة- مدهشة :)