الثلاثاء، أبريل 01، 2014

ووقوعك على رأسك في حب العالم



ماذا لو قررت أن تحب هذا العالم القبيح الآن؟ فورًا؟ في خلال عدة ساعات كحد أقصى؟ وأن تتجاهل أنه يعدم الجمال إعدامًا عادلًا باعتباره مضيعة للوقت.. ماذا لو قررت أن تنسى أن المشهد الرومانسي الخاص بزرع وردة في فوهة بندقية لن يحدث سوى على الشاشة الفضية؟ وبرغم كل هرائك العاطفي، سيظل هناك حفاة صغار يهرعون بشكل دوري في منطقة ما من هذا العالم إلى ملاجئ أرضية، هربًا من إنذارات قصف تحذيرية عدة مرات في اليوم، قبل أن يموتوا بالفعل من قصف حقيقي لم يحذرهم منه أحد..

ماذا لو قررت ألا تسأل "طب ايه لازمتها تعيّشوهم في ذعر قبل مايموتوا؟"، "ايه الهدف من كل دة؟"، "انتوا عايزين مننا ايه، هه؟ ايه؟!".. ماذا لو توقفت عن تساول "ليه" البغيض واقتنعت أخيرًا أن الأشياء تحدث لأنها تحدث.. فقط، وبدون سبب مقنع.. فكتمت أنفاسك ولبست خوذتك المصنوعة من ورق مقوى تَبَقّى من كراتين الزيت الخاصة بالوالدة، ووقفت تنظر إلى العالم بكرتونة مثبتة بإحكام أعلى رأسك مكتوب عليها "عافية، بصحة وعافية.."؛ قبل أن تأخذ غطسًا في أسفلت الطرق لتشبع من الشارع أكثر..

 ماذا لو أدمنت الحياة غصبن عن عين التخين؟!

القرار: أن تقع على رأسك في حب العالم

الخطة: افقد الإدراك\التوازن، لعدة ساعات متصلة


ابتعد عن هاتفك المحمول، حاسبك الشخصي، أي مقتنى يصل بين وبين مستنقعات الموات هذه.. بع أي منها إن كنت بالشجاعة الكافية، واقبض ثمنًا زهيدًا لكل هذا الذي ينقضي من عمرك في محاولة أن تكون جزءًا من عالم تكرهه، استخدم الثمن في شيء أفضل.. كشراء أكلة كباب حلوة لنفسك أو ابتياع جاكت تمر بجانبه دائمًا ولا تملك المال اللازم للسؤال عن مقاسك..

 افقد التواصل بعالمك الحالي، اختر عالمًا بديلًا، يمكن أن تكون اليوم ميدالية معدنية باردة في يد بائع متجول منتفخ اليدين من شدة الحرارة، بطة تُضحك أحد الصغار عند الفرارجي، قطعة لحمة بالبصل في طبق زوجة حديثة العهد بالمطبخ، تسير في طريقها إلى زوج جائع يفتقد والدته.. اختبئ في قطعة شيكولاتة تُمنح هدية لمُكتئب، تمرمغ مع الملائكة على الورق الأصفر الخاص بالكتب الجديدة، التف حول عنق الزرافة كأفعى هلامية غير سامة ستدغدغها في الحر لتضحك.. أنت اليوم تقوم بدور الكائن الذي سيثبت أن الزرافة تضحك.. ابتعد فقط عن إثبات أشياء أخرى ترهقك، كاتساع غرفة الطوارئ بالمشفى القريب لصراخ كل هذه الولايا، أو اتساع درفة قمصان النوم في دولاب حبيبتك لرأسك الساخط في المساء.. أشياء كهذه بعيدة تمامًا عن المنال، كن أرنبًا في تقفيصة شتوية دافئة أفضل.

اضرب بكل الطقوس اليومية عرض الحائط، لا تشرب شايك ولا تأخذ حبة "الكيتوفان" ولا تأكل الفول.. جُع قليلًا وتمشّى حافيًا ان استطعت، جرب الصعلكة القاسية الحرة، واصرخ في أي أحمق قريب بما تعتريه نفسك، -ماتقلقش هتلاقي واحد في سكتك بسرعة- ..

بع أي شيء لتحصل على تذكرة قطار مسافر للبحر.. خذ منومًا إذا أردت تجنُّب قبح الشارع الواصل إلى وجهتك، سيجتهد الجميع في إيقاظك عند الوصول، لا تقلق... ضع على جانبيْ عينيك قطعتين من الجلد كأحصنة الحنطور حتى لا تُشتَّت بأي شيء آخر إلى أن تصل بالفعل إلى البحر.. عندما تصل، اركض بسرعة، اضحك بهستيريا.. اغطس بملابسك كاملة وبحقيبتك، اغطس بكل ما تملك، من ذكريات وآمال ومخاوف وانكسارات ورغبات مكبوتة وسخط.. وابقَ تحت المياه حتى تنقطع أنفاسك، وفي لحظة ماقبل الاختناق بالضبط اخرج للسطح بأقصى سرعة.. خذ أول كومة هواء حقيقية ستملأ صدرك بالكامل، يمكنك اعتبار هذا الحدث تابعًا لفعل "التنفس" الذي تدعي ممارسته منذ سنين..

لا تهتم بامتلاء الشاطئ من عدمه، غنّ بأعلى صوت وارقص ببلاهة منقطة النظير: "أنا كنت بحب المشمش، دلوقتي بموت في المانجــا" بمصاحبة رقصة البطريق وتقليد أصوات كرتونية.. وعندما تلهث من الضحك، أخبرني الآن: هل العالم بالقبح الذي كنت تظنه حقًا؟

على بُعد من الشاطئ ستشاهد سيدة بيضاء ملفوفة القوام تقف في شرفة سطح عالٍ مطل على البحر في استعداد لنشر ملابس ملونة تصلك رائحتها في مكانك، وكأنها طشة ملوخية قادرة على أن تجوب الكون.. أنت قزم الآن، تقازم أكثر، اغطس بروحك حتى تصل إلى طشط الغسيل الذاهب للانطلاق على الحبال، امتزج بنعومة يديها التي ستنشرك للهفهفة، تعلّق من كتفيك في مقابلة العالم البائس من هذا العلو، أنت بعيد، بعيد تمامًا عن العجز والتساؤل وعن آخر الأنباء، هكذا يمكن أن يُعرّف الانتشاء.

من موقعك هذا ستتذكر كلمات لـ "جانيت لوبلانك" قرأتها قريبًا، تقول:

"
ماذا لو تركنا أنفسنا لنُفتن أمام جمال فقد الاتزان؟ ماذا لو اتفقنا على ترك الأشياء على طبيعتها، بتجاهل مفعم بالحيويّة والجموح؟ 

لأننا عندها سنكتشف المعنى، سنكتشف أنه متعلق باللحظات. لحظات من الخلق المحض، لحظات من الجنس المذهل. لحظات من حب الأم لطفلها. من الغضب الشديد. ومن شهوة تجعلك تصرخ: أريدك الآن. من وقوعك على رأسك في حب العالم. من شعورك بأن الأرض ستفسح المجال لأقدامنا. من الشعور بالحرية والجنون والصدق، ومن الشعور بالثقل والحصار لدرجة عدم قدرتك حتى على النهوض من السرير."



...
اقروا كلام "جانيت"، هنا:
http://almetaf.com/post/67928520663

1 التعليقات:

إبـراهيم ... يقول...

جميل جدًا :)
تسلم روحك
..
وليذهب كل العالم كفقاعة .. إلى الجحيم :)