الجمعة، مايو 04، 2012

Hunger games




لم أكن أعتبر نفسي ممن شاركوا في الثورة.. عندما يتحدث الآخرون عن يوم 28 تحديداً، اليوم الذي خرجت فيه مصر بأكملها للطرقات تستقبل الموت باستهتار حقيقي و تعلن اجتماعها على نبذ الظلم و النقم على كل القيود و المخاوف،كل شيء! عندما يتحدثون عن تلك الأيام يؤلمني شيء صغير في صدري.. لم أكن في الشارع، كنت في سريري أتابع بالهاتف و أمارس جهاداً مستقلا يخصني، يتمثل في محاولة الوصول وحدي إلى الحمام و المطبخ..

لم أشهد الأيام الطيبة للثورة، الأيام التي تقول عنها صديقتي " أنضف حاجة حصلت للبلد دي ".. لحقت بالشارع متأخرة..لحقت به عندما تفشت " الوساخة " إلى حد كبير، و عدنا من جديد لعقدة اليد العليا و خيوط الماريونيت، حماية الثورة صار مصطلحا ساذجا ينم عن رفاهية لا نملكها ، أقصى أمنيات الجميع أن يدركوا يقيناً مصدر طرف الخيط المعلق بأطرافهم.. أين يبدأ و كيف يمكن قطعه، حتى يمكننا أن نخطو الخطوة القادمة- أي خطوة قادمة!- بقليل من الفهم و الحرية..

في إحدى تظاهرات ديسمبر الماضي اقتنعت  أخيرا أنني شاركت في هذه الثورة.. لم تكن التظاهرة الوحيدة التي شاركت بها، ولكنها لسبب ما تمكنت هذه المرة من إقناعي.. تظاهرة ضخمة، و في تظاهرات بهذا الحجم يصبح من الصعب توحيد الهتاف دون مكبرات للصوت.. كنت في الصفوف الوسطى و فجأة على صوتي، على كثيراً حتى أنني ما كنت لأصدق أن هذا الصوت يصدر عني أنا بالفعل لولا أنه يتوقف عندما أصمت بالتتابع! وجدتني ممن يوصلون الهتاف من الأمام للخلف.. لا أدري كيف يمكن لـ 160 سم  بصوت نسوى مسرسرع أن تقوم بمهمة كهذه، كان يتبعني الآخرون بالفعل و نتوحد، نهتف معاً هتافات لا أذكرها الآن.. قد أذكر منها فقط "يا حرية فينك فينك.. حكم العسكر بينا و بينك "..

في فيلم "
hunger games " تنتهي الثورة بالتخلص التام من الخونة و التحرر من تأثير المؤامرات على البلد.. وللتعبير عن ثمن هذه الحرية ظهر طقس  ابتدعه حماة الثورة، يتمثل في اختيار شاب و فتاة من كل مقاطعة سنوياً للمشاركة في لعبة يصطاد فيها بعضهم بعضاً وسط حلقة مفرغة من اللهو بعقولهم حتى ينتصر فائز وحيد، هو الأكثر مكراً و غدرا و براعة.. رمز بسيط لبدائل الأمر الواقع، للفوضى التي ستعم إن انتهى الخوف و سادت الحرية.. اللعبة هي الحدث السنوي الأكثر أهمية، ينتظرها الجميع.. و يجلسون لمشاهدتها بشغف حقيقي، يشبه الشغف المتعارف عليه للحياة!

..

لم أستطع الذهاب إلى العباسية، نهش الإعياء من جسدي الأيام الماضية و توقفت تقريباً عن النوم! تمكنت بالأمس من النوم أخيراً ولكن بشكل مرضي أيضاً لأربعة عشرة ساعة تقريباً.. بس الحمد لله أحسن من مافيش! في طريقي إلى البيت كي أنام تابعت المسيرات المتجهة إلى العباسية وأنا في حالة طفيفة من الوعي، الطريق من غمرة و حتى مسجد النور خال تماماً إلا من أسراب البشر التي تسير بهدوء و لا يبدو صوت هتافها واضحا من أعلى الكوبري.. السماء رمادية و المشهد مهيب.. مهيب، بكيت ما إن وصلت للبيت على ما أخلفه وراء ظهري لأجل النوم و كنت على يقين بأنني سأستيقظ لأجد ثورة جديدة حدثت خلال نومي..

لم تحدث الثورة الجديدة.. لا أدري لماذا.. هل فاتتنا بالفعل " نضافة " البلد دي و لم يبق سوى بقع الدم تلوث كل المشاهد.. الكثيرون يجلسون في بيوتهم يحللون تحليلات عظيمة و يتوصلون إلى نتائج مذهلة مفادها إن يا إما هي بلد وسخة، يا إما احنا اللي عالم وسخة.. لا أدري ما الهدف، و النعمة أنا لو أعرف كنت أقول على طول!

أقولها هنا من جديد:
نظريات المؤامرة العظيمة بكافة أشكالها مابتصحيش الميتين، و لا بتبعت شوية نور لأهاليهم عشان ميكفروش.. أرجوك، أول ماتسمع سيرة العباسية اقرا الفاتحة في سرك و خلي قدامك هدف واضح: تسكت خالص لحد ماكل دة يعدي على خير..

وتذكر.. سيزرعون الجوع فينا للأمان و يحصدون الأرض و من عليها
كلها في الآخر
hunger games!


0 التعليقات: